1- في ذاك اليوم، وفي حقل الأرانب بالذات، حدثَ شيء مهم، وإن لم يكن غريباً في تاريخ الحقل. كانت الأرانب تعمل في الحقل بابتهاج مطمئنةٍ، ولكن في يوم ما حينما كانت الأرنوبة (غصون) تتجوّل في الحقل قرب ساقية كعادتها، إذ رأت آثار أقدام غريبة في الطين، ولأنها كانت ذكيّة عرفت أنها آثار أقدام ثعلب وليست أقدام أرانب. تلفتت بحذرٍ إلى جميع الجهات بعد أن وقفت على قدميها الخلفيتين، تشممتِ الهواء، ثم هزّتْ رأسها وهي تحدّث نفسها:
يا إلهي! ثعلب في حقلنا!! ثعلب بلحمه وأنيابه!! أهي مصيبة، أم بداية لمصائب كثيرة!؟ وصمتت لحظة ثم تابعت، يا ثعلوب ماذا أتى بك إلى هنا؟ أي ريحٍ شريرة دفعتك إلى ديارنا..؟ منذ زمان وأنتَ بعيد لم تزرنا، وأرانب الحقل فرحة مسرورة آمنة، وقفز إلى ذهنها الأرنب مشمش، أرنب المهمات الصعبة، وصاحت:
مشمش.. يا مشمش، أين أنتَ الآن؟
وأخذت تجري قافزةٌ باحثةً عنه في الحقل..
بعد فترة وقفت أمامه لاهثةً..
ها.. ما بكِ يا غصون!!؟ أراكِ مضطربة..؟!
ثعلب.. يا مشمش.. ثعلب!!.. رأيت آثار أقدامه في الطين قرب الساقية..
وبابتسامة رقيقة مطمئنة قال بثقة كعادته في الأزمات:
حسناً يا غصون، لا تخافي، فقط راقبوا الحقل..، وتسلحوا بالحذر التام..، ولا تنسي أن تقرعي ناقوس الخطر في حقلنا..
2- بعد ثلاثة أيام بالضبط من الترقب والحذر جاءت أرنوبة غصون قافزة مرّة أخرى بعد أن أعطت إشارة الحذر للأرانب..
ها.. غصون!! أي جديد؟!
الثعلب..، الثعلب مرّة أخرى يا مشمش، لقد رأيته نائماً في زاوية الحقل وبقربه ريش دجاجة.. وأقدام دجاج..
آه.. المجرم سرق دجاجةً وأكلها في حقلنا، ولكن اطمئني، لقد أعددتُ خطّة بارعة للتخلص منه..
ورمقت غصون مشمشاً بنظرة إعجاب واعتزاز، وتطلّعت إلى قبعته الزرقاء إلى قميصه الأحمر.. وبنطاله الأصفر..، وابتسمت وهي تقول لنفسها، هو دائماً هكذا، هادئ لا تهزّه الشدائد، يُخطط قبل أن يقدم على أي عملٍ، يا ليتني أعرف ماذا يدور في رأسَك يا مشمش.. يا ليت..
3- أخذ مشمش ثلاث نفّاخات (بالونات) كبيرة..، زرقاء.. وصفراء.. وحمراء، مربوطة بخيط متين جداً، وعلى كلّ واحدة مكتوب عليها (مع تحيات الأرنب مشمش).
تقدّم مشمش وبيده النفاخات الثلاثة، ماسكاً إياها مع الأرنوبة غصون، وبهدوء اقتربا من الثعلب، فوجداه ما زال يغطّ في نومٍ عميق وبطنه منتفخ بالطعام، وشخيره المزعج يعمُّ المكان..
اقتربا أكثر فأكثر على رؤوس الأصابع، ثم ربط مشمش الخيط بذنب الثعلب ربطاً محكماً وابتعدا عنه.
في الحال جفل الثعلب خائفاً ولكنه وجد جسمه يرتفع في الهواء.. يرتفع.. يرتفع.. ورأسه إلى الأرض ومؤخرته إلى أعلى.. أنه مربوط من ذنبه..
صرخ الثعلب، ما هذا!! ماذا جرى!؟ هل أنا في حلمٍ!! فرك عينين، تطلّع إلى الأرض فوجد الأرانب تقهقه وتلوّح لـه بأيديها صائحة، مودعة.. ثعلوب.. لا لقاء بعد اليوم.
اقتربت منه حمامة، ابتسمت وقالت: ما هذا!! أهي حيلة جديدة لاصطياد الطيور ياثعلب؟!
آه يا مغفّلة.. !، انظري إلى حالي..؟ إنني في ورطة الآن…، يا للمصيبة!!
ضحكت الحمامة وابتعدت عنه وهي تقول: مَنْ يُصدّقُ كلام ثعلب، لا شكّ أنها حيلة جديدة..
ارتفع الثعلب أكثر في الجو وعلامات الفزع والخوف بادية على وجهه وهو يحرّك أطرافه في الهواء وكأنه يريد أن يمسك شيئاً، وراح يدور حول نفسه والريح تدفعه لا يدري إلى أين، اقترب من الغيوم..، قالت غيمة:
ما هذا!! ثعلب بهلوان!!.. في حياتي كلها لم أشاهد منظراً مثل هذا!! ثم رشقته بزخة مطر شديدة أبعدته عنها مبتلاًّ من ذنبه حتى رأسه..
صرخ الثعلب يطلب النجدة، بكى بصوتٍ عالٍ.. وأخذ يلعن الساعة التي ولدته بها أمه..، والريح ما زالت تدفعه بغير هدىً.. وهو معلّق بالنفاخات الثلاث..
وإلى اليوم لا ندري أين أوصلته النفاخات الثلاث الملوّنة، لا ندري إلى أين دفعته الريح..، وماذا حلّ به وهو في تلك الحالة!!؟