لقد كان من المتوقع أن يتراجع المرض أمام الثورة الصناعية الكاسحة التي شهدها العالم في الخمسين سنة الأخيرة، لكن العكس تماما هو الذي حدث فقد عرف الإنسان الحديث أمراضا فتاكة لم تكن معروفة أو منتشرة بهذا الشكل من قبل، والإحصائيات التي تمت عام 1997م في الولايات المتحدة أظهرت أنه في عام 1995م أفرط حوالي 6 مليون أمريكي في تناول العقاقير التي وصفها لهم الأطباء لعلاج حالات القلق مما تسبب في إدمان غالبيتهم لهذه الأدوية.
وفى سنة 1997م تم حجز أكثر من اثنين مليون أمريكي في الأقسام المختلفة بالمستشفيات نتيجة الأضرار الجانبية للأدوية الكيمائية. والإحصائيات العالمية تؤكد أن الأضرار التي يسببها سوء استخدام الأدوية الكيميائية الموصوفة للمرضى السبب الرابع للوفاة بعد أمراض القلب، والسرطان، والجلطات المخية.
إذا ستظل النباتات والأعشاب الطبية رحمة كبرى إذا ما قورنت بالأدوية الكيميائية والتي تشبه إلى حد كبير سكينا ذو حدين يقطع هنا ويخرب هناك وهذه الأدوية الكيميائية تنكشف جوانبها السلبية المظلمة يوما بعد يوم.
فالنباتات الطبية عرفها الإنسان بالتجربة، واهتدى إلى علاج أمراضه بواسطتها عن طريق التجربة أيضاً واستخدمتها شعوب العالم قاطبة المتحضرة منها والبدائية، فطب الأعشاب هو أقدم شكل معروف من الطب وقد استخدم أكثر من 80% من سكان الأرض الأعشاب في معالجة أمراضهم، ولا تزال الأعشاب الطبية هي العلاج الأساسي للكثير من الشعوب حتى وقتنا الحاضر.
إن التداوي بالأعشاب هو مستقبل العالم العلاجي، وهو الدواء الناجع المأمون لأمراض الإنسان والحيوان في كل مكان وزمان فالنباتات هي زرع الله الشافي وقد استخدمتها الحضارات البشرية عبر التاريخ.
الحضارة المصرية الفرعونية القديمة:
اهتم الفراعنة بالأعشاب وهذا ما نجده مسجلا في بردياتهم منذ أكثر من 5000 سنة فنجدهم وقد استخدموا الثوم والبصل والعرعر لمعالجة الكثير من الأمراض, ونجد نبات القنب في عصر رمسيس الثالث وقد استخدم بشكل كبير لعلاج مشكلات العين بينما استخدمت خلاصات الخشخاش لتهدئة الأطفال الباكين.
وقد وجدت وصفات علاجية لعلاج العديد من الأمراض في العديد من البرديات مثل بردية (هيرمس) وبردية (أرون سميث الطبية).
وفى عام 1874م اكتشفت أهم بردية طبية في العالم، اكتشفها عالم المصريات الألماني (جورج أيبرس) وتعد أقدم وثيقة طبية، ويبلغ طولها 65 قدما ويرجع تاريخها إلى 1500 سنة قبل الميلاد.
ووجد بالبردية 876 تركيبة عشبية من أكثر من 500 نبات، منها الصبار والكراوية والخروع والقرفة والبابونج والثوم والزنجبيل والشمر والنعناع والمر والبصل والخشخاش والمرمرية والسمسم والزعتر وغير ذلك.
الحضارة الصينية القديمة:
من المعروف أن الأب الروحي للطب الصيني هو الامبراطور الأصفر الذي عاش سنة 2500 قبل الميلاد، و كانت للأعشاب اهتماما خاصا من جانب المعالجين الطبيعيين في ذلك الوقت وأول كتاب طبي صيني في الأعشاب الطبية كان سنة 1000 قبل الميلاد Classic of Materia Medicaالذي وضعه العالم الصيني شن نونغ في القرن الأول الميلادي واحتوى على لائحة من 365 دواء علاجيا 90% منها من أصل نباتي، أما الآن فالصين لديها أكبر قائمة نباتات طبية في العالم وتضم 5800 نبتة طبية.
الحضارة الهندية القديمة:
ركزت مدرسة الطب الهندي القديم الأيروفيدا Ayurveda على الأعشاب بصورة واضحة وضمت كتبهم القديمة أكثر من 2500 نبات طبي مصنفة حسب تأثيرها على الجسم وعلى الأمراض المختلفة، وتعد مدرسة الأيروفيدا من المدارس المتميزة في مجال الأعشاب الطبية.
الحضارة اليونانية:
نبغت الحضارة اليونانية القديمة في مجال المتداوى بالأعشاب وثبت أن هذا النبوغ كان يرجع إلى التلاحم بين الحضارة المصرية القديمة والحضارة اليونانية وفي زمن أبقراط 377 ق. م. كان التقليد الأوروبي قد تشرب أفكارا من أشور والهند ومصر القديمة وكانت الأعشاب الشرقية مثل الحبق والزنجبيل من أكثر الأعشاب استخداما لديهم.
وقد ذكر أبوقراط أكثر من 350 نباتا طبيا في كتابه Corpus Hippocraticumمنها القرنفل والقرفة والأرقطيون وقد كتب دسقوريديس طبيب أنطونيو وكليوباترا كتابه في المواد الطبية (De Materia Medica) سنة 60 ميلادية وتناول فيه حوالي 600 نبات طبي وقد بقى الكتاب الطبي القياسي لمدة 1500.
الحضارة الإسلامية:
لم يكن للعرب باع في مجال الأعشاب الطبية قبل الإسلام, ولكن عندما جاء الإسلام أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتداوي ووضع له ضوابطه ووصف أعشابا طبية لبعض الأمراض وحث على طلب العلم في هذا المجال وفي المجالات الأخرى.