الكون .. ماذا كان قبل الانفجار الهائل؟
باسم محمد حبيب
تنبأت النظرية النسبية التي وضعها الفيزياوي الشهير ( ألبرت اينشتاين ) ، بان الكون نشا من التفردية ( أي الانفجار الهائل/ big-bang) ، قبل أن يأخذ الكون بالاتساع التدريجي الذي أصبح أيضا سمة من سماته ، من المفترض على وفق منطوق النظرية وصوله إلى أقصى حجم ممكن له قبل أن يزول بتفردية التحطيم الهائل ((big-crunch ، ولآن النظرية قد تنبأت بنشوء الكون من نقطة ذات كثافة لا نهائية وزواله في مثلها ، فان النسبية أو أي نظرية علمية أخرى ستكون قاصرة عن تتبع وضع الكون في تلك النقاط المضطربة أو العثور على مخلفات في النظرية عن حالة الكون في تلك الحقبة ، فيغدو من الضروري تبعا لذلك حصر الزمان- المكان أو مفهوم الكون بين هاتين النقطتين المضطربتين .
إن إدراك أن الكون أصبح في لحظة ما موجودا من خلال حالة انفجار مفاجئة ، لا يمكن فهمها بدون الافتراض بان هذه اللحظة الشاذة لابد أن تكون نتاج انقلاب من نوع ما بحيث أدى هذا الانقلاب إلى تحول الكون من العدم إلى الوجود ، فإذا كان الاتساع سمة الوجود أو الكون في مرحلته الراهنة فان التضاؤل إلى أشكال خيالية ( انعدام الزمان – المكان ) هو بالتأكيد سمة من سماته في المرحلة السابقة أو ما قبل الكون الحالي ، فالكون لم يكن غائبا تماما قبل الوجود بقدر ما كان متلاشيا في ذاته متقلصا إلى حدود ينتفي فيها كل من الزمان والمكان ، ولدينا بعض الإشارات التي تؤيد ما نقول مستقاة من الأسئلة التي لم يجب عليها نموذج ( جورج غاماو) عن الانفجار الهائل وهي : (1) نشوء الكون في وضع عال من الانتظام والتجانس ثم تقلصه بمرور الزمن ، وهو أمر يناقض الفرضية التقليدية التي تفترض أن تكون الحالة الأولى للكون على أعلى درجة من الفوضى والاضطراب ، قبل أن تتحول بعد ذلك إلى حالة متصاعدة من النظام كما يعكسه التنظيم المتواصل لبنية المادة وتحولها نحو الالتحام والتعقيد عبر الزمن ، فكيف نفسر هذا الانتظام والتجانس ؟ إلا أن يكون من مخلفات حالة سابقة مؤكدة الوجود . لقد اثبت العلم وجود ما يمكن تسميته بالرحم الكوني ، هو عبارة عن سديم غازي يقع في وسط المجرة يمكن أن تصل درجة حرارته إلى بضعة ملايين درجة مئوية ، حيث يمثل المكان الذي تتشكل فيه الكواكب والنجوم ، أي أن الكون يحوي في داخله مقومات الخلق مثلما يضم أيضا عوامل الفناء ، فلكل جرم سماوي عمر محدد بقدر طاقته حيث يعد الثقب الأسود المكان الذي تؤوي إليه مخلفات تلك الأجرام بعد فنائها ، وبالتأكيد ليس لهذه الثقوب حجم ثابت بل هي مختلفة بقدر الأشكال التي تحددت بها ، وإذا كان هناك ثقب ضئيل الحجم بقدر جسيم البروتون فان هناك ثقوبا هائلة بقدر النجوم والمجرات بل وحيز المجرات الذي هو اكبر تشكيل مادي في الكون ، لكن لكل ثقب ظروفا مختلفة عن الثقب الأخر ، ومن المحتمل أن بعض الثقوب لا تظهر إلا عندما يشرف الكون على الزوال ، وذلك من تقدير التأثيرات الجانبية المصاحبة لها وهي تأثيرات يمكن أن تعصف بالكون ذاته في ذات الوقت ، أما انهيار الكون بشكل ثقب اسود هائل الحجم فهو أمر لا يمكن افتراضه على وفق الأسس المعتمدة في وصف الثقوب السود الأخرى ، ومن المحتمل أن يكون هذا الوصف مماثلا لحالة انقلاب من حالة إلى حالة أخرى ، إذ ليس هناك مجال خارجي يمتص طاقة الثقب الكوني ليزال بعد ذلك انطلاقا من سنة الفناء في الكون ، الأمر الذي يرجح وجود مجال ضمني تذهب إليه طاقة الكون بعد انهياره . (2)نشوء الكون بمعدل حرج من التمدد واستمراره على ذات المعدل إلى الآن ، فلو تغير هذا المعدل بما لا يتجاوز (10اس -18) درجة لكان هذا كافيا بتحطيم الكون وتدميره بشكل كامل ، ما يعني أن فعالية الانفجار الكوني ليست عادية ولا يمكن أن تقرن بوجود قوة الجذب وحدها ، بل هناك قوة معادلة ومناهضة لها تتبادل معها الأدوار بحسب الاتجاه الذي تأخذه حركة الكون .
(3) نشوء الكون في شتى مناطقه بتجانس وانتظام عال وبدرجة حرارة عالية متماثلة أيضا ، حيث احتفظ بنفس معدل التجانس والتماثل إلى الآن ، الأمر الذي يثير التساؤل حول سبب هذا التماثل وكيف نشا منذ اللحظة الأولى لنشوء الكون التي يفترض أنها لم تكن كافية لوصول الضوء إلى كافة مناطق الكون ، وإذا علمنا أن الضوء هو أسرع شيء بحسب النظرية النسبية فيغدو من المستحيل على ما سواه عبور الكون من أقصاه إلى أقصاه في ثانية واحدة ، فالضوء كان بحاجة إلى زمن أطول بكثير من ثانية واحدة حتى ينتشر في عموم الكون ، فيما أن الكون قد تمدد في أول ثانية من وجوده أضعاف ما يقطعه الضوء في تلك الثانية ( يتحرك الضوء بسرعة 300 ألف كيلو متر في الثانية تقريبا ) ، إذ يعتقد أن حجم الكون بعد ثانية من الانفجار الهائل قد بلغ مليون مليار كيلو متر ، والغريب أن التجانس والانتظام لم يكن تماما وإلا لما شهدنا نشوء النجوم والمجرات وغيرها من أشكال المادة الأخرى ، فالحقيقة التي تفرض ذاتها هنا ، هي أن الكون كان عازما منذ البداية على أن يأخذ هذا الشكل الذي هو عليه فما هو السر يا ترى ؟
حاول العلماء تعديل نموذج غاماو حول الانفجار الهائل من اجل العثور على إجابات عن الأسئلة أعلاه ، فخرجوا بالعديد من النماذج التي أعطت إجابات متباينة منها النموذج المعروف بالانتفاخي ل (ألان غوث) والتعديلات التي أجراها عليه (اندريه لنداو ) وآخرين ، حيث حققت هذه الإضافات النزول بالزمن إلى أعماق أعماق الثانية الأولى من عمر الكون ، فأصبح بمقدورنا تفسير وضع الكون في أجزاء الثانية الأولى وليس فيما بعدها كما كان الحال سابقا ، إلا أن تلك النماذج على فرض دقتها وصوابها لم تستطع تجاوز الثانية الأولى إلى نقطة التفردية والسبب لان النظرية النسبية تنبأت بفشلها عند تلك النقطة المضطربة ، ومن اللافت للنظر إننا كلما غصنا في أعماق الثانية الأولى كلما وجدنا أمامنا سلسلة من القياسات الزمنية المتضائلة ، لذا لابد أن نضع هذه النقطة كدليل أخر يضاف إلى ما لدينا من أدلة بما في ذلك نظريات حاولت التوفيق بين النسبية ونظرية الكم ، لنقول أن الكون الذي نظنه ناشئا من لحظة خلق محددة كان موجودا دائما ولكن بوضع أخر هو وضع العدم ، وان الانفجار الهائل هو لحظة انتقال الكون من حالة التلاشي أو التضاؤل (العدم وفق فهمنا ) إلى حالة الوجود ، فالعدم الذي نحسه كلاشيء مطلقا هو بالتحديد الوجه الخلفي للوجود برمته ولذلك نجده عميقا وصارخا ، وعندما أفكر بالعدم فأنني انطلق إلى ذلك المعنى الذي يجعل الكون مقابلا لي وليس المعنى الذي يخص الكون ذاته .
فقولنا أن فعالية الجاذبية (تلك القوة التي حركت طاقة الانفجار الكبير) كانت نتيجة منطقية لغياب قوة الصد الكوني ، لا يبدوا منطقيا مع كون يتسع باطراد وليس على شكل انفلات عارم للطاقة ، وإحدى المشاكل التي تقف حائلا أمام القبول التام بفرضيات النظرية الموحدة الإجمالية نابعة من اعتقاد تلك النظرية بوجود حد ابتدائي لنشوء الكون فيما أن الأسئلة أعلاه تشير إلى خلاف ذلك تماما ، لذا بإمكاننا تفسير اختفاء المادة المضادة أثناء الانفجار الهائل على انه نابع من وضع الانقلاب الذي حدد شكل الكون وليس نتيجة لأمر أولي بحت ، فما زعمته النظرية الموحدة الإجمالية عن أن الكون نشا مع رجحان للمادة مبدئي على المادة المضادة ، هو ابلغ دليل على وجود تلك الحالة القديمة في الكون ، إذ هو يشير إلى وجود وجه أخر للكون تؤلف المادة المضادة المضمون الأساس فيه .
لقد كانت المادة الأساسية لحالة ما قبل الزمان- المكان مؤلفة على ما يبدوا من المادة المضادة النابعة من الطاقة الساحبة أو الجاذبة ، تتخللها طاقة نافرة أو دافعة تمثل أساس المادة التي نعرفها الآن ، لذا نفترض حصول تضائل متدرج يأخذ الزمان- المكان فيه شكل سالب ، وهو شكل يمكن تصميمه رياضيا بواسطة مجموعة الأعداد الخيالية ( جذور الأعداد الصحيحة السالبة ) ، ومن المحتمل أن الكون في حجم صفر كان متماثل القوى ، عدى قوى الطاقة الساحبة أو الجاذبة التي تأخذ هي الأخرى وضعا متماثلا إلا انه مختلف عن تماثل قوى الطاقة النافرة أو الدافعة ، حيث يؤدي هذا الاختلاف دورا مهما في الحركة الكونية التي لا تحصل بدونه ، وعندما يحصل التضاؤل يتحطم التماثل بين قوى الطاقة الساحبة أو الجاذبة ونفس الشيء بالنسبة لقوى الطاقة الدافعة ، إلا أن تحطمهما سوف يجري بشكل معاكس فتتعزز بالتدريج بنيات المادة المضادة مقابل القوة الدافعة أو النافرة الممثلة بالمادة، فترتد الحرارة نحو الانخفاض التدريجي من اثر التداخل البنيوي الحركي للطاقة الساحبة ، ليتشكل من خلالها نموذج الكون المعكوس أو الكون الخالي من الزمان- المكان .
لكن خفوت مرونة السحب مقابل تنامي قوة الدفع ، تجعل الكون يتجه نحو الانفجار واضعا قوة السحب أو الجذب في وضع سلبي إلا انه مؤثر في التحكم في حركة الانفجار وضبطها ، وفي لحظة خاطفة يتعدى الكون مرحلة الاختفاء أو التضاؤل ، بتحور معظم المادة المضادة في شكل قوة دافعة معززة للانفجار وموجهة المادة نحو التوسع البنيوي الايجابي
باسم محمد حبيب
تنبأت النظرية النسبية التي وضعها الفيزياوي الشهير ( ألبرت اينشتاين ) ، بان الكون نشا من التفردية ( أي الانفجار الهائل/ big-bang) ، قبل أن يأخذ الكون بالاتساع التدريجي الذي أصبح أيضا سمة من سماته ، من المفترض على وفق منطوق النظرية وصوله إلى أقصى حجم ممكن له قبل أن يزول بتفردية التحطيم الهائل ((big-crunch ، ولآن النظرية قد تنبأت بنشوء الكون من نقطة ذات كثافة لا نهائية وزواله في مثلها ، فان النسبية أو أي نظرية علمية أخرى ستكون قاصرة عن تتبع وضع الكون في تلك النقاط المضطربة أو العثور على مخلفات في النظرية عن حالة الكون في تلك الحقبة ، فيغدو من الضروري تبعا لذلك حصر الزمان- المكان أو مفهوم الكون بين هاتين النقطتين المضطربتين .
إن إدراك أن الكون أصبح في لحظة ما موجودا من خلال حالة انفجار مفاجئة ، لا يمكن فهمها بدون الافتراض بان هذه اللحظة الشاذة لابد أن تكون نتاج انقلاب من نوع ما بحيث أدى هذا الانقلاب إلى تحول الكون من العدم إلى الوجود ، فإذا كان الاتساع سمة الوجود أو الكون في مرحلته الراهنة فان التضاؤل إلى أشكال خيالية ( انعدام الزمان – المكان ) هو بالتأكيد سمة من سماته في المرحلة السابقة أو ما قبل الكون الحالي ، فالكون لم يكن غائبا تماما قبل الوجود بقدر ما كان متلاشيا في ذاته متقلصا إلى حدود ينتفي فيها كل من الزمان والمكان ، ولدينا بعض الإشارات التي تؤيد ما نقول مستقاة من الأسئلة التي لم يجب عليها نموذج ( جورج غاماو) عن الانفجار الهائل وهي : (1) نشوء الكون في وضع عال من الانتظام والتجانس ثم تقلصه بمرور الزمن ، وهو أمر يناقض الفرضية التقليدية التي تفترض أن تكون الحالة الأولى للكون على أعلى درجة من الفوضى والاضطراب ، قبل أن تتحول بعد ذلك إلى حالة متصاعدة من النظام كما يعكسه التنظيم المتواصل لبنية المادة وتحولها نحو الالتحام والتعقيد عبر الزمن ، فكيف نفسر هذا الانتظام والتجانس ؟ إلا أن يكون من مخلفات حالة سابقة مؤكدة الوجود . لقد اثبت العلم وجود ما يمكن تسميته بالرحم الكوني ، هو عبارة عن سديم غازي يقع في وسط المجرة يمكن أن تصل درجة حرارته إلى بضعة ملايين درجة مئوية ، حيث يمثل المكان الذي تتشكل فيه الكواكب والنجوم ، أي أن الكون يحوي في داخله مقومات الخلق مثلما يضم أيضا عوامل الفناء ، فلكل جرم سماوي عمر محدد بقدر طاقته حيث يعد الثقب الأسود المكان الذي تؤوي إليه مخلفات تلك الأجرام بعد فنائها ، وبالتأكيد ليس لهذه الثقوب حجم ثابت بل هي مختلفة بقدر الأشكال التي تحددت بها ، وإذا كان هناك ثقب ضئيل الحجم بقدر جسيم البروتون فان هناك ثقوبا هائلة بقدر النجوم والمجرات بل وحيز المجرات الذي هو اكبر تشكيل مادي في الكون ، لكن لكل ثقب ظروفا مختلفة عن الثقب الأخر ، ومن المحتمل أن بعض الثقوب لا تظهر إلا عندما يشرف الكون على الزوال ، وذلك من تقدير التأثيرات الجانبية المصاحبة لها وهي تأثيرات يمكن أن تعصف بالكون ذاته في ذات الوقت ، أما انهيار الكون بشكل ثقب اسود هائل الحجم فهو أمر لا يمكن افتراضه على وفق الأسس المعتمدة في وصف الثقوب السود الأخرى ، ومن المحتمل أن يكون هذا الوصف مماثلا لحالة انقلاب من حالة إلى حالة أخرى ، إذ ليس هناك مجال خارجي يمتص طاقة الثقب الكوني ليزال بعد ذلك انطلاقا من سنة الفناء في الكون ، الأمر الذي يرجح وجود مجال ضمني تذهب إليه طاقة الكون بعد انهياره . (2)نشوء الكون بمعدل حرج من التمدد واستمراره على ذات المعدل إلى الآن ، فلو تغير هذا المعدل بما لا يتجاوز (10اس -18) درجة لكان هذا كافيا بتحطيم الكون وتدميره بشكل كامل ، ما يعني أن فعالية الانفجار الكوني ليست عادية ولا يمكن أن تقرن بوجود قوة الجذب وحدها ، بل هناك قوة معادلة ومناهضة لها تتبادل معها الأدوار بحسب الاتجاه الذي تأخذه حركة الكون .
(3) نشوء الكون في شتى مناطقه بتجانس وانتظام عال وبدرجة حرارة عالية متماثلة أيضا ، حيث احتفظ بنفس معدل التجانس والتماثل إلى الآن ، الأمر الذي يثير التساؤل حول سبب هذا التماثل وكيف نشا منذ اللحظة الأولى لنشوء الكون التي يفترض أنها لم تكن كافية لوصول الضوء إلى كافة مناطق الكون ، وإذا علمنا أن الضوء هو أسرع شيء بحسب النظرية النسبية فيغدو من المستحيل على ما سواه عبور الكون من أقصاه إلى أقصاه في ثانية واحدة ، فالضوء كان بحاجة إلى زمن أطول بكثير من ثانية واحدة حتى ينتشر في عموم الكون ، فيما أن الكون قد تمدد في أول ثانية من وجوده أضعاف ما يقطعه الضوء في تلك الثانية ( يتحرك الضوء بسرعة 300 ألف كيلو متر في الثانية تقريبا ) ، إذ يعتقد أن حجم الكون بعد ثانية من الانفجار الهائل قد بلغ مليون مليار كيلو متر ، والغريب أن التجانس والانتظام لم يكن تماما وإلا لما شهدنا نشوء النجوم والمجرات وغيرها من أشكال المادة الأخرى ، فالحقيقة التي تفرض ذاتها هنا ، هي أن الكون كان عازما منذ البداية على أن يأخذ هذا الشكل الذي هو عليه فما هو السر يا ترى ؟
حاول العلماء تعديل نموذج غاماو حول الانفجار الهائل من اجل العثور على إجابات عن الأسئلة أعلاه ، فخرجوا بالعديد من النماذج التي أعطت إجابات متباينة منها النموذج المعروف بالانتفاخي ل (ألان غوث) والتعديلات التي أجراها عليه (اندريه لنداو ) وآخرين ، حيث حققت هذه الإضافات النزول بالزمن إلى أعماق أعماق الثانية الأولى من عمر الكون ، فأصبح بمقدورنا تفسير وضع الكون في أجزاء الثانية الأولى وليس فيما بعدها كما كان الحال سابقا ، إلا أن تلك النماذج على فرض دقتها وصوابها لم تستطع تجاوز الثانية الأولى إلى نقطة التفردية والسبب لان النظرية النسبية تنبأت بفشلها عند تلك النقطة المضطربة ، ومن اللافت للنظر إننا كلما غصنا في أعماق الثانية الأولى كلما وجدنا أمامنا سلسلة من القياسات الزمنية المتضائلة ، لذا لابد أن نضع هذه النقطة كدليل أخر يضاف إلى ما لدينا من أدلة بما في ذلك نظريات حاولت التوفيق بين النسبية ونظرية الكم ، لنقول أن الكون الذي نظنه ناشئا من لحظة خلق محددة كان موجودا دائما ولكن بوضع أخر هو وضع العدم ، وان الانفجار الهائل هو لحظة انتقال الكون من حالة التلاشي أو التضاؤل (العدم وفق فهمنا ) إلى حالة الوجود ، فالعدم الذي نحسه كلاشيء مطلقا هو بالتحديد الوجه الخلفي للوجود برمته ولذلك نجده عميقا وصارخا ، وعندما أفكر بالعدم فأنني انطلق إلى ذلك المعنى الذي يجعل الكون مقابلا لي وليس المعنى الذي يخص الكون ذاته .
فقولنا أن فعالية الجاذبية (تلك القوة التي حركت طاقة الانفجار الكبير) كانت نتيجة منطقية لغياب قوة الصد الكوني ، لا يبدوا منطقيا مع كون يتسع باطراد وليس على شكل انفلات عارم للطاقة ، وإحدى المشاكل التي تقف حائلا أمام القبول التام بفرضيات النظرية الموحدة الإجمالية نابعة من اعتقاد تلك النظرية بوجود حد ابتدائي لنشوء الكون فيما أن الأسئلة أعلاه تشير إلى خلاف ذلك تماما ، لذا بإمكاننا تفسير اختفاء المادة المضادة أثناء الانفجار الهائل على انه نابع من وضع الانقلاب الذي حدد شكل الكون وليس نتيجة لأمر أولي بحت ، فما زعمته النظرية الموحدة الإجمالية عن أن الكون نشا مع رجحان للمادة مبدئي على المادة المضادة ، هو ابلغ دليل على وجود تلك الحالة القديمة في الكون ، إذ هو يشير إلى وجود وجه أخر للكون تؤلف المادة المضادة المضمون الأساس فيه .
لقد كانت المادة الأساسية لحالة ما قبل الزمان- المكان مؤلفة على ما يبدوا من المادة المضادة النابعة من الطاقة الساحبة أو الجاذبة ، تتخللها طاقة نافرة أو دافعة تمثل أساس المادة التي نعرفها الآن ، لذا نفترض حصول تضائل متدرج يأخذ الزمان- المكان فيه شكل سالب ، وهو شكل يمكن تصميمه رياضيا بواسطة مجموعة الأعداد الخيالية ( جذور الأعداد الصحيحة السالبة ) ، ومن المحتمل أن الكون في حجم صفر كان متماثل القوى ، عدى قوى الطاقة الساحبة أو الجاذبة التي تأخذ هي الأخرى وضعا متماثلا إلا انه مختلف عن تماثل قوى الطاقة النافرة أو الدافعة ، حيث يؤدي هذا الاختلاف دورا مهما في الحركة الكونية التي لا تحصل بدونه ، وعندما يحصل التضاؤل يتحطم التماثل بين قوى الطاقة الساحبة أو الجاذبة ونفس الشيء بالنسبة لقوى الطاقة الدافعة ، إلا أن تحطمهما سوف يجري بشكل معاكس فتتعزز بالتدريج بنيات المادة المضادة مقابل القوة الدافعة أو النافرة الممثلة بالمادة، فترتد الحرارة نحو الانخفاض التدريجي من اثر التداخل البنيوي الحركي للطاقة الساحبة ، ليتشكل من خلالها نموذج الكون المعكوس أو الكون الخالي من الزمان- المكان .
لكن خفوت مرونة السحب مقابل تنامي قوة الدفع ، تجعل الكون يتجه نحو الانفجار واضعا قوة السحب أو الجذب في وضع سلبي إلا انه مؤثر في التحكم في حركة الانفجار وضبطها ، وفي لحظة خاطفة يتعدى الكون مرحلة الاختفاء أو التضاؤل ، بتحور معظم المادة المضادة في شكل قوة دافعة معززة للانفجار وموجهة المادة نحو التوسع البنيوي الايجابي