الصبر على الطاعة في حياة الأئمة (عليه السلام)
في الزيارات التي يزار بها الأئمة (عليه السلام) نجد أنّ من جملة الخصال الواردة التي يتم التركيز عليها هي الصبر "صبرتَ، احتسبت.."، نتوجه إلى الإمام قائلين إنك قد صبرت واحتسبت عند الله، ونهضت في سبيل الله، وحملت الأمانة مع وجود كل تلك المشقات والمصاعب وأدّيتها.. حقاً، لقد كانت مسؤولية هداية الناس وبيان الحقائق المكتوبة ومواجهة الطغاة ومحاربة الظلم والفساد مسؤولية مليئة بالمصاعب والآلام التي تحتاج إلى صبر ومقاومة.
وباليقين، لو كان صبر الإمام بأن يبقى حزيناً ومغموماً لما يرى من الأوضاع السيئة في زمانه، ويحترق قلبه لما يجري على الإسلام والمسلمين، وهو جليس البيت مع تجرع الآلام والغصّات، دون أن يتحرك لأجل القضاء على الفساد وتغيير الأوضاع القائمة وإصلاح المجتمع والنهوض به، لم يكن ليعد ذلك من جملة فضائله ومفاخره. لأنّ هذه الأمور يمكن أن تكون في أي شخص، وخصوصاً في الأفراد الضعفاء واللامسؤولين.
إن هذه الفضيلة إلى وردت في الزيارات. وهي خصلة بارزة في حياة الإمام (عليه السلام) والتي ينبغي أن تكون بالنسبة لنا درساً ملهماً، بحيث نكرره دائماً، هي الصبر على وظيفةٍ عَجِز الناس عن حملها وأدائها، هي الصبر على الطاعة وأداء التكليف.
نظرة إلى القرآن
إذا نظرنا إلى عشرات الآيات التي تتحدّث عن الصبر والصابرين، نجد أنّ الصبر على الطاعة يأتي ضمن أقسام الصبر. فقوله تعالى مثلاً: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفاً بإذن الله}. في هذه الآية يرينا الله أن الصبر ليس هو إلا المقاومة والثبات في مواجهة العوامل الصعبة والشاقة التي تعترض المجاهد في ساحة الحرب والقتال لثنيه عن الاستمرار.
وهذا المعنى في الآية شديد الوضوح. أما والصّابرون الذين أشير إليهم في هذه الآية فهم الذين لا تمنعهم بوارق السيوف وتهديدات الأعداء من القيام بتكاليفهم، كما لا يمنعهم ذكر الأبناء والأحبة والحياة الهانئة والمريحة من الجهاد والقتال، ولا تتزلزل أقدامهم في هذه الطاعة. ونأتي إلى آية أخرى حيث يقول تعالى:
{ربَنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}.
فذكر فيها تلك الفئة المؤمنة التي تتجه نحو ميدان القتال للقيام بواجبها، وقد أعدّت نفسها وتجهزت لمواجهة ذلك العدو القوي، طالبة من الله تعالى أن يهبها روح الثبات والمقاومة لمواجهة الموانع التي تقف حائلاً أمام الاستمرار، والوصول إلى الثمرة التي هي الانتصار. وهناك آيات عديدة في مجال الصبر على الطاعة يتطلب بحثها تفصيلاً ومجالاً أوسع.