ترشيد استهلاك المياه الذي كان ينظر له في الماضي كمجرد استجابة طارئة للجفاف، تحوَّل في السنوات الأخيرة إلى مجموعة معقدة من الإجراءات التي تقدم أحد أكثر الطرق جدوى اقتصادية وأكثرها صحة بيئية لموازنة الاحتياجات المائية في المدن.
إن الجهود الناجحة للحد من استخدام المياه المنزلية تتضمن مزيجاً من الحوافز الاقتصادية والأنظمة ووسائل الاتصال، والتي من شأنها مجتمعة أن تشجع على استخدام تقنيات توفير المياه.
تقول ساندرا بوستيل: لقد ظلّ الماء وباستمرار يباع بأقل من قيمته ولذلك ظل الناس يفرطون في استخدامه.
وفي الحقيقة، فإن رفع أسعار المياه غالباً ما يكون صعباً. أما إذا صاحب ذلك اتصال بأفراد المجتمع لشرح الحاجة لرفع الأسعار ولشرح الخطوات التي يمكن للمستهلكين اتباعها للإبقاء على الفاتورة منخفضة، فإن رفع الأسعار تكون له نتائج إيجابية ومقبولة نسبياً.
ولما كانت الحوافز الاقتصادية ووسائل الاتصال قد لا تستطيع حفز كل واحد على الحفاظ على ترشيد استهلاك المياه، فإن وضع معايير مناسبة لتركيبات المياه العامة مثل دورات المياه، ورؤوس المرشات (الدوشات) والصنابير (الحنفيات) يمكن أن تكون عنصراً مهماً في استراتيجية الحفاظ على المياه يعتد بها، فالمعايير تحدد مستويات تقنية تضمن إيجاد قدر من الكفاءة في المنتجات الجديدة وفي الخدمات.
كما أنّ الأسعار الفعالة والأنظمة ووسائل الاتصال تستطيع – إلى حد ما – الحد من استخدام المياه خارج المنزل. فرش حشائش الحدائق في كثير من الأقاليم الجافة يعادل ما بين ثلث ونصف الطلب المنزلي على الماء.
ويمكن للجهد الرامي لترشيد استهلاك المياه في المدن أن يحدّ من هدر المياه من شبكة التوزيع ذاتها، إضافة إلى الحد من استخدام المياه داخل المنازل وخارجها، فكلما ازداد تردّي شبكات المياه في المدينة بفعل التقادم وقلة الصيانة فقدت كميات كبيرة من المياه من خلال الأنابيب التالفة وبسبب العيوب في شبكة التوزيع.
وفي معظم الحالات فإن اكتشاف تسرب المياه وإصلاحه يعود بالنفع على المدينة لا من حيث توفر المياه فحسب، بل من حيث تحقيق المردود السريع للاستثمار كذلك.
ويمكن أن يكون اكتشاف التسرب وإصلاحه مفيداً بشكل خاص في مدن الدول النامية التي تعاني الخسائر المائية الكبيرة الحادة، لأن نظام إمدادات المياه القائم يستطيع عند ذلك خدمة أعداد كبيرة من الناس الآخرين الذين لا تقدم لهم حالياً هذه الخدمة.
إن القليل من مدن العالم الثالث تحاول بالفعل ترشيد استهلاك المياه ومعظم هذه المدن تنهمك في عمل تكاد نتائجه تكون عديمة الجدوى، ويتمثل في البحث عن مزيد من خدمات المياه لمساعدة الأعداد الغفيرة من سكان هذه المدن الذين يعانون اليوم قلة المياه.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن معدل الاستخدام المنزلي للمياه في معظم الدول النامية لا يزيد على جزء ضئيل من ذلك الاستخدام في الدول الصناعية، فإن ترشيد استهلاك المياه ورفع كفاءة الاستخدام غالباً ما ينظر لهما على أساس أنهما غير لازمين ولا ضرورة لهما، وفي أحسن الأحوال ينظر لهما كخيارات يمكن البحث فيها في المستقبل.
وعلى النقيض من ذلك تماماً، فإن ترشيد استهلاك المياه هو جزء لا يتجزأ من أية حلول عملية لمشكلات إمدادات المياه في الدول الأكثر فقراً، فإنشاء شبكات توزيع المياه وربط كل منزل من المنازل بأنابيب المياه وشبكة الصرف الصحي وبناء المحطات المركزية لمعالجة مياه الشرب ومياه الصرف الصحي تكلف في حدود 450 إلى 700 دولار لكل فرد تصل له الخدمة.
أما إذا جرى الحد من طلب كل بيت على الماء وجرى عمل التركيبات المائية التي تعمل على الأداء الجيد للمياه وغير ذلك من الإجراءات بإنشاء محطات من أجل ترشيد استهلاك المياه، فإن كل ذلك سيحد من التكاليف.
د. زيد بن محمد الرماني