قال تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}، صدق الله العظيم،
75-76 سورة الواقعة.
الثقوب السوداء، جسم فضائي صغير الكتلة نسبياً، بالغ الكثافة، افترض وجوده في الفضاء نظرياً، جاذبيته قوية جداً حتى أن لا شيء بما في ذلك الضوء يستطيع الإفلات منه وبذلك هو غير مرئي، ويحيط بالثقب الأسود حقل دائري يسمى الأفق ما إن يدخل أي كان داخل الأفق فإنه من المستحيل أن يفلت منه.
وهي تسمى بالثقوب السوداء ولكنها ليست سوداء وإنما غير مرئية، كما أنها ليست ثقوباً فعلية وإنما تدل على منطقة مستحيل الرجوع منها.
وفكرة الثقوب السوداء تطورت على يد عالم الفضاء الألماني "كارل شوارتزلد" في عام 1916م على أسس النظرية النسبية العامة للعالم "ألبرت أينشتاين".
تتكون النجوم بداية من تجمع سحب غازية وغبار ومواد مختلفة، حيث تتماسك كل هذه المواد مع بعضها البعض مكونة ما يعرف بالسديم Nebula، ومع مرور مئات إلى ملايين السنين تصبح هذه المواد كتلة واحدة نتيجة للضغط والحرارة، ومع ازدياد حجم هذه السحب يزداد الضغط في وسط الكتلة مما يزيد من درجة حرارتها حتى تصل إلى درجة حرارة عالية وكافية للبدء بالاندماج النووي في وسط هذه الكتلة، والتي يتحول فيها الهيدروجين في مركز النجوم إلى هيليوم، إذ تندمج أربع نوى هيدروجين متحولة إلى نواة هليوم واحدة أخف وزناً، وتتحول الكتلة المفقودة إلى طاقة تتحرر هذه العملية نفسها هي التي تحرر الطاقة في القنابل الهيدروجينية، وتصل الطاقة الناجمة عن تفاعلات الاندماج النووي في نهاية الأمر إلى سطح النجم، فيضيء طاقة في الفضاء.
كيف تولد الثقوب السوداء؟
هناك عمليتان تحدثان في النجوم باستمرار، انفجارات نووية تطلق فيها النجوم الهيدروجين من وسطها إلى الخارج، والجاذبية حيث تقوم بسحب هذا الهيدروجين إلى الداخل مرة أخرى، وتقوم هاتان العمليتان بعمل توازن بينهما إلى أن ينتهي الهيدروجين والهيليوم وكل المواد المنتجة للطاقة الموجود داخل النجم، فتتوقف الانفجارات النووية مما يؤدي إلى طغيان قوة الجاذبية على النجم، وعند هذه الحالة يصبح النجم غير مستقر ويبدأ بالانكماش إلى الداخل، ويعتمد ما يحدث بعد ذلك على كتلة النجم، فليس جميع النجوم التي تنكمش بسبب جاذبيتها تتحول إلى ثقوب سوداء، فنجم كثافته أصغر من كثافة الشمس بـ 1,4 مرة سيتحول إلى ما يسمى الأقزام البيض ومن ثم إلى الأقزام السوداء حيث تتوقف عن النمو، أما النجم الذي كثافته أكبر من كثافة الشمس بما بين 1,4 – 3 مرات فسيتحول إلى نجم نيتروني، والنجوم التي تكون أكبر من 3 قد يحدث أن تنفجر وتسمى بالسوبرنوفا Supernova، أو تنكمش بدون توقف مما يجعلها أصغر حجماً وأكثر كثافة إلى أن تتحول إلى ثقب أسود.
وهناك طريقة أخرى لتكون الثقوب السوداء من دون أن تمر بالمراحل السابقة وإن كانت كثافتها أقل من كثافة الشمس لأنها لن تتكون من جراء انكماش النجم وتسمى بالثقوب السوداء البدائية، وهناك احتمال واحد فقط لوجود مثل هذه الثقوب السوداء وهي أن تكون قد تكونت في الأيام المبكرة للفضاء حيث كان الضغط والحرارة مرتفعين جداً، حيث يفترض العلماء أن المواد المبعثرة الموجودة في الفضاء تتجمع وتنضغط بفعل قوة خارجية شديدة مكونة ثقباً أسود.
وتقترح النظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين أن أكبر الأجسام كتلة وكثافة من الممكن تصورها كثقوب سوداء لديها جاذبية قوية جداً لدرجة أن لا شيء حتى أن الضوء الذي يعتبره العلماء أسرع ما في الكون لا يمكنه أن يهرب منها، وبما أن كل الضوء الذي يدخل الأفق في الثقوب السوداء يسحب إلى الداخل، ومن المعروف أن عملية النظر لدى الإنسان تعتمد على انعكاس الضوء من الأجسام إلى أعيننا، فإذا كانت الثقوب السوداء تمتص كل الضوء من حولها فكيف يكمن أن نراها؟ وكما قال أينشتاين: "إن محاولة البحث عن ثقب أسود يشبه تقريباً البحث عن قطة سوداء في قبو فحم".
ويمكن للعلماء معرفة مكان الثقوب السوداء من خلال أربع طرق فقط، الطريقة الأولى عندما ينكمش نجم ويتحول إلى ثقب أسود فإن حقل جاذبيته يستمر موجوداً كما كان قبل التحول ولكن بشكل أقوى، فإذا كانت الكواكب المحيطة بالثقب الأسود بعيدة بعداً كافياً بحيث أن هذه الزيادة في القوة لن تؤثر عليها بحيث تسحبها، فإن الكواكب أو النجوم تستمر بالسباحة في نفس المدار الذي كانت عليه سابقاً، فيظهر للعلماء أن هذه الكواكب والنجوم تدور حول لا شيء، فإما أن يكون هناك نجم صغير لا يرى، وإما أن يكون هناك ثقب أسود.
بالإضافة إلى أن الجاذبية القوية تقوم بسحب الغبار والسحب الغبارية إلى داخلها، ومع اقتراب هذه السحب من الثقب الأسود تزداد سرعة الانجذاب وبالتالي تزداد حرارتها مما يؤدي إلى انبعاث موجات اكس X-Rays منها، والأجسام التي تبعث هذه الموجات تلتقط من خلال تلسكوبات X-Rays الموجودة خارج الكرة الأرضية.
أما الطريقة الثالثة فتسمى عدسة الجاذبية، وتحدث هذه العملية عند مرور ثقب أسود مثلاً بين الأرض والنجم، فلنفرض أن هذا النجم يطلق ضوءاً بعشوائية إلى الفضاء، فيصلنا بعضه ويكون ضعيفاً نوعاً ما، ولكن في حالة وجود ثقب أسود في الوسط يعمل هذا الثقب الأسود كعدسة، فيعمل على تغيير مسار الضوء إلى اتجاهه، فإذا كان الضوء يبعد بعداً كافياً عن حقل الجاذبية فلن يقوم بسحبه وإنما ينحني فقط، وبالتالي يتركز باتجاه الأرض، فيظهر النجم لدينا ساطعاً جداً.
والطريقة الرابعة لمعرفة أماكن وجود الثقوب السوداء هي في قياس كتلة المواد في منطقة معينة من الفضاء، فالثقوب السوداء لديها كتلة كبيرة جداً في منطقة صغيرة جداً، فإذا تواجدت كتلة كبيرة غير مرئية في منطقة ما فهناك احتمال أن تكون هذه كتلة ثقب أسود، ولتقريب معنى كتلة كبيرة جداً في منطقة صغيرة جداً، عليك أن تتخيل أن كل الكرة الأرضية انضغطت وانكمشت إلى أن أصبحت بحجم كرة قدم، فإذا حاولت رفع هذه الكرة لوجدت أن وزنها يساوي وزن الكرة الأرضية.
ويعتقد العلماء أن الثقوب السوداء تؤثر بشكل أساسي في بناء الكون، فثقب أسود ذو كتلة صغيرة نسبياً يستطيع امتصاص كواكب ونجوم بسهولة ما أن تدخل في الأفق، أو يدمرها بمجرد المرور بالقرب منها، وبالتالي يتسبب ذلك في توالد جيل جديد من النجوم من بقايا غيرها.
وهناك الثقوب السوداء العملاقة هائلة الكتلة، حيث أن كتلتها تساوي كتلة ملايين الشموس، ويعتقد أن أغلب المجرات تحتوي في مركزها على ثقب أسود عملاق، كما أن الثقوب السوداء تلتهم النجوم والكواكب، فإنها أيضا تلتهم بعضها البعض إذا حدث وأن اقتربت من بعضها، وفي حالات أخرى عند التقاء ثقبين أسودين فإنهما يتحدان ليشكلا ثقباً أسود أكبر وأقوى.
وأشهر العلماء حاليا في هذا المجال هو العالم الانجليزي "ستيفن هوكين"، الذي شارك بشكل كبير جداً عن طريق كتبه ومحاضراته ودراساته عن الثقوب السوداء، حيث جعل القواعد الفيزيائية المعقدة أسهل للفهم من قبل عامة الناس، واكتشافاته عن الجاذبية وعن الثقوب السوداء تعتبر من أهم المشاركات في علم الفيزياء منذ عهد أينشتاين.
كويزارز Quasars
هي عبارة عن أجرام سماوية بعيدة جداً تشبه النجوم ولكنها تطلق ضوءاً وطاقة أكثر، وتعتبر أسطع أجرام سماوية عرفت لدى الإنسان، فالكويزارز الواحد يبلغ حجمه حجم مجموعتنا الشمسية كلها، ويطلق ضوءاً وطاقة أكبر بكثير مما يطلقه عدد من المجرات مجتمعة، بالإضافة إلى الطاقة والضوء والموجات اللاسلكية التي يطلقها الكويزارز، فإنه يرسل أيضاً أشعة فوق بنفسجية، وأشعة تحت الحمراء، وأشعة اكس وأشعة جاما.
والسؤال المهم هو من أين لهذه الأجرام هذه القوة والضوء؟
يعتقد العلماء أنها ثقوب سوداء عملاقة تكونت من زمن بعيد جداً تقع في وسط أغلب المجرات، فتلتهم نجوماً وكواكب بأكملها، وبذلك هي تضيء أثناء انصباب كل تلك النجوم المضيئة بداخلها.
وحتى الآن لا يملك العلماء صورة واضحة عن أي كويزارز لأنه بعيد جداً، حتى أن أكبر تلسكوب بالكاد يلتقطه، ولذلك يستعمل العلماء التلسكوبات التي تلتقط موجات إكس وجاما، وعندما ينظر علماء الفضاء إلى هذه الكويزارزات التي تبعد عنا ما بين 10 – 15 بليون سنة ضوئية وهذا أقربهم فإنهم ينظرون إلى 10 – 15 بليون سنة في الماضي، ولذلك فإن دراستها تعطي هؤلاء العلماء معلومات عن المراحل الأولية لتكوين الكون وفرصة لدراسة الماضي، وطبقا للدراسات فإن الكويزارز يعيش بلايين السنين يتغذى في قلب المجرات ويمتص كل ما يقترب منه حتى يستنفد كل مواده، ومن ثم يقوم بالانتقال إلى مجرة أخرى، وحتى الآن أيضاً لم يتأكد العلماء كيف تتكون هذه الأجرام، ولكن غالب الظن أنها ثقوب سوداء عملاقة.