تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تعبير عن المواقع الجغرافية لمدن الممالك القديمة في جنوب الجزيرة العربية

تعبير عن المواقع الجغرافية لمدن الممالك القديمة في جنوب الجزيرة العربية

الموقع الجغرافي للمدينة القديمة :
قبل* التعرض إلى هذا المجال لابد لنا أولاً وقبل كل شيء أن نورد ملاحظة هامة تطرح نفسها تلقائياً لدى الباحث الموضوعي، أننا لا نعرف على وجه التحديد زمن بروز الحضارة في اليمن القديم ومدة وجودها، وإنما في ضوء ما جاء في بعض الأبحاث الأخيرة يمكن القول أنها ظهرت في الألف الأول ق.م على أقل التقدير، واستمرت حتى القرن السابع الميلادي. تركزت مراكزها، أولاً في المناطق الشرقية من اليمن حيث تخترق سفوح الجبال والصحراء الوديان العديدة، وأهم الأودية هي ذنة وبيحان ومرخة ومذاب وعرمة، فعلى وادي ذنة، قامت مدينة مارب عاصمة سبأ. وعلى وادي بيحان كانت تقع مدينة تمنع عاصمة القتبانيين. وفي وادي مذاب والجوف كانت مدينة قرناو عاصمة المعينيين وعلى وادي عرمة كانت شبوة عاصمة حضرموت وكان هناك أيضاً واديان مهمان ويتجهان باتجاه البحر العربي والمحيط الهندي، وربطا بصلة متينة، الطرق البحرية بمراكز الحضارة في مشرق اليمن أحدهما وادي حضرموت، كان يقع عليه كثير من مدن حضرموت الشهيرة فضلاً عن شبوة – العاصمة، مثل سيئون وتريم، والوادي الثاني هو وادي بنا الذي يخترق الهضبة الجنوبية وفيه نشأت تجمعات الحميريين الذين استقروا في نهاية المطاف في أعلا الوديان وبنوا عاصمتهم ظفار هناك.(شكل1)
أما في الشمال من وادي الجوف فكان يقع وادي نجران، تصب فروعه المتعددة في فلاة اليمن، وفي هذا الوادي قامت مدينة نجران التي كانت ملتقى طرق التجارة السبئية ومركز تشكيل القوافل التجارية التي انطلقت نحو شمال الجزيرة العربية وشرقها. وكان من أسباب بروز الحضارة والمدن على ضفاف الوديان في الشرق هو مرور الطريق التجاري البري المشهور بطريق اللبان وغيرها.
ولم تكن وظيفة تلك المدن تقتصر على توفير خدمات القوافل وتسهيل نقل السلع النادرة مثل اللبان والطيوب والأحجار الكريمة. وإنما كانت وظيفتها تمتد لتبادل المعارف والخبرات والتصورات المتعلقة بأمور الحياة وشئون الثقافة المختلفة.
ولكن مدى تأثير مدن اليمن، كما اثبتت البحوث الأخيرة، شمل إلى حد كبير حوض البحر الأبيض المتوسط عن طريق مصر وأفريقيا، مما ترك أثره في أسس الحضارة الغربية. كما ينبغي التنويه بأن اليمن هو البلاد التي خرج منها. "ملوك الشرق الثلاثة" الذين جاؤوا ليقدموا فروض الولاء للوليد الطفل الذي بعث لانقاذ العالم. وهي البلاد التي حكمت فيها ملكة سبأ المشهورة أيضاً، مما جعل التوراة أن تطلق على هذه البلاد اسم ( العربية الغنية)، والرومان يطلقوا عليها (العربية السعيدة). وجهدوا بكل ما لديهم لادماجهم في امبراطوريتهم. أما أباطرة الحبشة فكانوا يعتبرون أنفسهم أحفاد ملكة سبأ "بلقيس"، التي يذكرها الأنجيل. وقد رويت عنها عدة قصص اختلفت في شكلها وطابعها، ومعظمها يخلو من الذوق الفني. وقد أعاد معظم الكتاب العرب قصة ملكة سبأ التي ذكرها القرآن الكريم، وهي أن ملكة سبأ دخلت إلى قاعة سليمان وكان أرضها من المرايا، فحسبتها لجة من الماء فكشفت عن ساقيها.
وكانت قصتها مصدر الهام للعديد من الفنانين، ومثل رافائيل وريموند وجيرتي شخصيتها حيث رسما ونحتا قصتها ضمن ما أبدعوه من تصوير ونحت القديسين والشخصيات المذكورة في التوراة والإنجيل. ولدى الأحباش يوجد الكثير من القصص والتصاوير التي تمجد الملكة. ودون قصتها. وكذلك الفنان العربي المسلم عبر عن الرحلة ولقائها بسليمان الحكيم. وهنالك طائفة من علماء الآثار والمتخصصين في تاريخ الشرق وآثار اليمن الفنية الرائعة، ومنهم أدولف جرمان الذي استند في أبحاثه إلى مؤلفات الكلاسيكيين اليونانيين، ووصف أغاثر خيدس مساكن السبئيين في حديثه عن الفن المعماري اليمني قائلاً: "وكان العربي الجنوبي يهتم بصفة خاصة إلى جانب إجادة العمل، بالزخرفة خاصة زخرفة الأسقف والحيطان والأبواب، إذ كان يمعن في زخرفتها بالسن والذهب والفضة والأحجار الكريمة. أما الأعمدة فكان يزخرفها بصفائح من الذهب والفضة.
وتتضمن مؤلفات الآثاري والمؤرخ اليمني أبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (المتوفى بعد عام 336هـ/945م في ريدة) وعلى وجه الخصوص الجزء الثامن من كتاب "الإكليل" كثيراً من مظاهر الحضارة اليمنية حيث قدم خدمات جليلة لعلماء الآثار والمؤرخين، ويكتب قائلاً: "العرب ينسبون كل مستطرف من البناء إلى سليمان عليه السلام، كما ينسبون كل قديم إلى قوم عاد وجن سليمان. وترى أكثرية الناس أن الجن بنوا قصور اليمن، إلا أنه لا يمكن أن تكون الجن كبناة لعلتين، الأولى أنهم ذكروا أنهم بنوا قصر سلحين خلال سبعة وسبعين سنة، ولم يكن بين موت سليمان وصدور بلقيس عنه إلا سبع سنين. بقول المكثر، وعند موته رفعت الجن أيديها عن الخدمة وقبضت رباقها…
والثانية قول علقمة الشاعر القديم، الذي يذكر أن الناس بنوها لا الجن:
أبعد سلحين لا عين ولا أثر
أم بعد بينون يبني الناس أبياتا
أما الآثاريون الذين تعرضوا لآثار اليمن وفنونه في الأيام المتأخرة، فقد وضعوا بحوثاً واستندوا على الملاحظات والدراسات التي قاموا بها في موطن الآثار أو استخلصوا الاستنتاجات من ملاحظاتهم للقطع الأثرية وللصور التي عثروا عليها. وقد أورد بعضهم مثل الباحثة جاكلين بيرن أن الحضارة العربية الجنوبية إنما برزت في القرن الخامس قبل الميلاد بتأثير الحضارتين اليونانية والفارسية عليه، وأن عناصر الحضارة الجنوبية وخاصة الفن منها مثل النحت والعمارة قد غرفت من مناهل يونانية وفارسية. لقد حاولت الباحثة فيما بعد أن تصحح الخطأ وزعمت أن بداية التأثير اليوناني تعود إلى القرن السادس ق.م.
أما الباحثة برتا فقد ارجعت هذه المؤثرات إلى أثر يوناني هيليني وأثر سوري حتي وأثر فينيقي، وذكرت أن هذه المؤثرات أثرت على الحضارة العربية الجنوبية، وتولدت عن هذا المزيج الأجنبي والعربي حضارة العرب الجنوبيين.
ومن المؤرخين العرب جواد علي يقول: "وتقدمت معارفنا بعض التقدم بالنسبة للفن المعماري عند العرب الجنوبيين، فتبين تأثره بمؤثرات عراقية وسورية وفينيقية ويونانية ومصرية.
((الاكليل عدد 26 – لـمحــات مــن فـــن العمــــارة والبنــــاء في اليمن القديم


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.