انتظر الأخوة الثلاثة خالتهم القادمة من السفر وقتاً طويلاً جداً ليسلموا عليها وتفرح بهم، وليتسلموا أيضاً الهدايا التي اعتادت أن تأتي اليهم بها، وكيف لا ينتظرون مهما تقدم الليل والخالة (مريم) طالت غيبتها هذه المرة في تلك البلاد البعيدة السعيدة؟ لا شك أن الهدايا أكثر وأثمن لاسيما أنها كتبت لهم أنها وزوجها قد وفقا في أعمال تدر كثيراً من المال.
قال (طارق) وهو أصغر الثلاثة:
– أشعر بنعاس شديد، ولم أعد أستطيع الانتظار… سأقوم إلى النوم.
قالت الأم:
– ستأسف خالتك لعدم رؤيتك… لابأس….ستراها فيما بعد.
قال (نجيب) الأخ الأوسط:
– وستستلم هديتك أيضاً فيما بعد… أم تريد أن نستلمها نحن بدلاً عنك؟
ضحكت الأم وقالت:
– لا أحد يأخذ دور أحد… ولا حصته أيضاً. أليس كذلك يا أحمد؟
كانت توجه كلامها للأخ الأكبر لأنه في المرة الماضية حاول أن يستأثر باهتمام خالته أكثر من إخويه، وأن ينال هدايا أكثر منهما.
قال (نجيب) بعد أن رأى أخاه (طارق) ينسحب إلى النوم:
– أما أنا فلا أشعر بالنعاس أبداً.. وسأسهر حتى الصباح.
وعندما وصلت الخالة (مريم) متأخرة من المطار كانت متعبة جداً. سلمت على أختها بمحبة واشتياق، ولما قالت لها الأخت إن الأولاد ينتظرونها عادت فاستدركت قائلة:
– ماعدا طارق فهو الأصغر كما تعلمين، ثم إنه تعب اليوم- أكثر من أخويه في جلب حاجيات البيت لأن والدهم مسافر.
وأخذت الأختان تتبادلان الأحاديث والقبلات، وفي لحظات ما الدموع، بينما الولدان يحيطان بهما من هنا وهناك وهما قلقان.
قالت الخالة (مريم) أخيراً:
– هذه هدايا لك يا أختي أنت وزوجك. أما هدايا الأولاد فلا بد أن أعطي كل واحد منهم هديته. أنظري هذه هي هدية الأكبر، وهذه هدية الأصغر، أما الأوسط…
ولم تتم كلامها حتى رأت (نجيب) يأخذ الهدية من يدها بسرعة وكأنه يختطفها ثم يضعها في يده، فقد كانت عبارة عن ساعة ذهبية.
قالت الخالة:
– ما هذا يا نجيب.. هذه ليست هديتك. إنها هدية (طارق) وقد طلبها مني في الرسالة، ثم إنك أنت لست الأصغر.
قال (نجيب):
– وأنا طلبت أيضاً ساعة في الرسالة… وأنا الآن الأصغر… أليس (طارق) نائماً؟
ضحكت الخالة وقالت وهي تنتزع من عنقها عقدها وتضع يدها على الحبة الكبرى فيه:
– كم عدد حبات العقد يا نجيب؟
أخذ (نجيب) يعدها فإذا بها أربع عشرة قال:
– أربع عشرة يا خالتي.
قالت وقد رفعت يدها عن الحبة الكبرى:
– والآن ما عددها.. أليست خمس عشرة؟:
قال (نجيب):
– هذا صحيح.. لقد كانت غائبة عني.
قالت الخالة:
– والغياب… أليس له حساب يا نجيب؟
شعر (نجيب) بأنه أخطأ لكنه قال:
– كنت سأتنازل عن الساعة الهدية لطارق على أي حال لأن ساعتي التي في يدي رغم أنها ليست ذهبية لكنها جيدة ولا تزال تعمل.
قالت الخالة:
– وستنال في المرة القادمة هدية الأكبر وليس الأصغر… وما رأيك؟
انسحب (نجيب) بهدوء وهو يقول:
– أنا لست الأكبر… ولا الأصغر… أنا الأوسط. جيد أن تكون الأوسط فموقعك متحرك… فأنت تارة الأكبر وتارة الأصغر.
ولكن لماذا أحسب لهذا الأمر كل هذا الحساب؟